وتفاقم ضعف الشعب اليمني بفعل النزاع والتصعيد الأخير من جانب الأطراف المنتاحرة. ولم يقتصر دعم أطباء بلا حدود على توفير الرعاية التي من شأنها إنقاذ حياة الجرحى الذي يصابون خلال موجات العنف، بل تعداها ليشمل علاج المرضى الذين يعانون من آثار الحرب بعيدة المدى كمشاكل الصحة النفسية وسوء التغذية وصعوبات تأمين الخدمات الأساسية مثل خدمات رعاية الأم والطفل.
الآثار المباشرة للحرب
أرسلنا في عام 2021 فرقاً مهمتها علاج جرحى الحرب في مختلف أنحاء البلاد، من المخا غرباً إلى مأرب شرقاً.
واستجاب مستشفانا الواقع في المخا إلى أكثر من حادثة إصابات جماعية في نوفمبر/تشرين الأول حين اشتدّ القتال على الجبهة الواقعة جنوب الحديدة، حيث يتقارع أنصار الله ومجموعاتٌ مسلحة موالية للحكومة.
وقد اشتد العنف الدائر في مأرب بين أنصار الله وقوات الحكومة اليمنية مجبراً آلاف الناس على الفرار من بيوتهم. بيد أن المخيمات التي استقروا فيها تفتقر إلى أساسيات الحياة كالغذاء والماء والمأوى. لهذا بدأنا في مارس/آذار عملية طوارئ في مستشفى مأرب العام وعملنا طيلة العام على تعزيز طاقته في التعامل مع تدفق موجات الجرحى والمرضى الذين يعانون من إصابات بليغة أخرى.
شهدت فرقنا أيضاً تزايد أعداد الناس الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية الناجمة عن القتال وما يرافقه من توترات وصدمات. وقد استجبنا لهذه الاحتياجات حيث افتتحنا في مايو/أيار عيادةً تخصصية جديدة للصحة النفسية في المستشفى الجمهوري العام في مدينة حجة، حيث نؤمن التثقيف النفسي والإرشاد والعلاج النفسي، إلى جانب الرعاية الطبية النفسية لمن يعانون من مشاكل نفسية شديدة.
رعاية الأم والطفل
يعتبر تأمين خدمات طبية آمنة وعالية الجودة للنساء الحوامل والمواليد الجدد من أهم القضايا التي تواجه عموم اليمن، علماً أن الاحتياجات تفوق الموارد المتاحة بكثير. وقد بدأت فرقنا العاملة في محافظة الحديدة بإدارة مستشفى الأم والطفل في مديرية القناوص اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث تؤمن خدمات الأمومة التي تشمل العمليات الجراحية ورعاية حديثي الولادة في المستشفى ودعم الصحة النفسية. أما في مستشفى عبس العام الواقع في محافظة حجة، فلا نزال ندعم غرفة الطوارئ وأجنحة طب الأطفال والمواليد الجدد ووحدة الأمومة، حيث نشرف على أكثر من 1,000 ولادة شهرياً. كما تدعم طواقمنا مركزاً داخلياً للتغذية العلاجية ضمن المستشفى.
هذا وتدير طواقم أطباء بلا حدود مستشفى للأم والطفل في منطقة تعز الحوبان منذ عام 2016، حيث تشرف على استقرار حالة مرضى الإصابات البليغة وتؤمن خدمات الأمومة للحالات عالية الخطورة والمترافقة بمضاعفات، كما توفّر رعاية الأطفال وحديثي الولادة وتشرف على خدمات داخلية للتغذية العلاجية. استجابت المنظمة أيضاً لنقص خدمات الصحة الإنجابية التخصصية في مدينة تعز حيث بدأت منذ يونيو/حزيران بإدارة خدمات رعاية الحوامل والمواليد الجدد في المستشفى الجمهوري بالتعاون مع وزارة الصحة. لكن تحويل تركيزنا مجدداً إلى هذه الأنشطة دفعنا لإيقاف دعمنا للمستشفى اليمني السويدي المتخصص في طب الأطفال وكذلك مستشفى الثورة.
سوء التغذية
عالجت فرقنا العاملة في مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة عدداً مقلقاً من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وقد عمل مركزنا الداخلي للتغذية العلاجية فوق طاقته طيلة العام، حيث عالجت فرقنا أعداداً أكبر بكثير من الأطفال المصابين بسوء التغذية الشديد والمضاعفات الطبية مقارنةً بالعام السابق.
كذلك فإن مشاريع أخرى تابعة للمنظمة في المناطق الشمالية من اليمن، على غرار مدينة الضحي التابعة لمحافظة الحديدة ومديرية حيدان التابعة لمحافظة صعدة ومدينة خمر في محافظة عمران، سجلت زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الذين عالجتهم طواقمنا، مع أن هذه الزيادة لم تكن كبيرة بقدر ما كانت عليه في عبس.
يشار إلى أن معظم حالات سوء التغذية التي نراها في اليمن ناتجة عن نقص خدمات الرعاية الصحية الأساسية التي يحصل عليها الأطفال، إذ أن الأطفال الذين يصابون بأمراض لا يتلقون العلاج اللازم وبالتالي يرجح أن يصابوا بسوء التغذية. كذلك فإن التضخم يزيد من المصاعب التي يواجهها اليمنيون في إطعام أطفالهم وتأمين تكاليف النقل إلى المستشفيات، وهذا ما يسهم في سوء التغذية ويؤخر علاج الأمراض على حدٍّ سواء.
كوفيد-19
استمرت الآثار الشديدة لجائحة كوفيد-19 على اليمن في عام 2021 علماً أن انتشار المرض بلغ ذروتين إحداهما في الربيع وثانيتهما في الخريف.
وأدارت فرقنا مراكز علاجية في صنعاء وعدن وإب أشرفت فيها على بعضٍ من وحدات العناية المركزة الوحيدة التي تتوفر في البلاد. لكن معدلات الوفيات كانت كبيرة، كما نعلم أن كثيراً من أهالي المناطق النائية لم يستطيعوا تأمين العلاج لعدم توفره محلياً أو لعدم قدرتهم على السفر إلى المدن التي كنا نعمل فيها.
كما سرت الشائعات والمعلومات المضللة حول كوفيد-19 بحريّة، فزادت مخاوف الناس من المرض وفاقمت وصمة العار التي تلحق بمن أصيب به. في حين واصلت سلطات أنصار الله رفضها العلني مواجهة انتشار الفيروس. إذ أن رفضها اللجوء إلى اللقاح، إلى جانب عوامل أخرى منها مسائل تتعلق بتوريد الجرعات وإعطاء اللقاحات في المناطق الخاضعة للحكومة، إلى جانب انعدام ثقة الناس، كل هذا جعل من معدلات التطعيم في اليمن من بين الأدنى عالمياً في عام 2021.
استجابة إنسانية غير كافية
واصلت منظمة أطباء بلا حدود دعواتها لإجراء إصلاح جذري لنظام المساعدات في اليمن. فرغم المبالغ المالية الكبيرة التي أنفقتها الاستجابة الإنسانية، غير أن معظم المساعدات الإنسانية لا تزال غير كافية لأنها تفتقر إلى المرونة في الاستجابة لحالات الطوارئ ولا تمتلك الخطط التي تضمن تأمين الرعاية الصحية على المدى الطويل.
كما يتوجب على السلطات في اليمن بذل المزيد من الجهود لدعم المنظمات الإنسانية وتسهيل عملها. فالقيود المفروضة على العمل الإنساني هائلة وتعيق توفير المساعدات الإنسانية الضرورية في الوقت المناسب وبآلية مستقلة.